اسم الله تعالى الكريم من الأسماء المُحببة إلى النفوس المُؤمنة،
فهم مُتقلبون في نعيمه ليل نهار .. فلا كرم يسمو على كرمه ، ولا إنعام
يرقى إلى إنعامه ، ولا عطاء يُوازي عطاؤه .. له عُلو الشأن في كرمه ، يُعطي
ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء بسؤال وغير سؤال .. يعفو عن الذنوب ويستر
العيوب .. ويُجازي المؤمنين بفضله ، ويُمهل المُعرضين ويُحاسبهم بعدله ..
فما أكرمه .. وما أرحمه .. وما أعظمه ..
المعنى اللغوي
الكريم : صفة مُشبهة للموصوف بالكرم ، والكرَم نقيض اللؤم ..وكَرُمَ
السحــابُ : إذا جــــاء بالغيث .. والكريم : الصفوح ، كثير الصفح .. وقيل
لشجرة العنب : كَرمَةٌ بمعنى كريمة ..وقد يُسمى الشيء الذي له قدرٌ وخطرٌ :
كريمًا ، ومنه قوله سبحانه وتعالى في قصة سليمان عليه السلام : { قَالَتْ
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }
[النمل : 29]
.. جاء في تفسيره : كتابٌ جليلٌ خطيرٌ ، وقيل : وصفته بذلك لأنه كان
مختومًا ، وقيل : كان حسن الخط ، وقيل : لأنها وجدت فيه كلامًا حسنًا .قال
الزجاج : الكرم سرعة إجابة النفس ، كريم الخُلُق وكريم الأصل .
يقول أحمد بن مسكويه في كتابه
(تهذيب الأخلاق)
: "أما الكرم فهو إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور الجليلة القدر الكثيرة النفع كما ينبغي"
[تهذيب الأخلاق (1:7)]
.. ويقول الإمام الغزالي :
"وأما الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال ، والإطعام في المحل ، والرأفة بالسائل مع بذل النائل"
[إحياء علوم الدين (3:246)]
.. والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء .
وروده في القرآن
ورد اسم الله تعالى الكريم ثلاث مرات ..
في قوله تعالى
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
[المؤمنون: 116]
وقول الله عزَّ وجلَّ
{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}
[الإنفطار: 6]
.. وقوله تعالى
{.. وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}[النمل: 40]
وورد اسمه تعالى الأكرم في قوله
{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}
[العلق: 3]
.. وهي من أوائل السور التي نزلت في مُفتتح البعثة ، فكان ميثاق التعرُّف
بين الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه و سلم من خلال اسمه الأكرم ..
لأن الكرم كان من أبلغ المناقب عند العرب، والله سبحانه وتعالى أكرم من كل
ما تتصور .
معنى الاسم في حق الله تعالى
يقول الغزالي "الكريم : هو الذي إذا قدر عفا ، وإذا وعد وفى .. وإذا أعطى
زاد على منتهى الرجاء ، ولا يُبالي كم أعطى ولمن أعطى .. وإن رُفِعَت حاجةٌ
إلى غيره لا يرضى .. وإذا جُفِيَ عاتب وما استقصى .. ولا يُضيع من لاذ به
والتجأ ، ويُغنيه عن الوسائل والشفعاء .. فمن اجتمع له جميع ذلك لا
بالتكلُّف ، فهو الكريم المُطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط "
[المقصد الأسنى (1:117)]
فالكريم هو كثير الخير ، الجواد المُعطي الذي لا ينفذ عطاؤه .. الجامع
لأنواع الخير والشرف والفضائل .. فالكريم اسم جامعٌ لكل ما يُحمد .
.وقد أورد ابن العربي ستة عشر قولاً في معنى اسمه تعالى الكريم، وهي :
1) الذي يعطي لا لعوض
2) الذي يعطي بغير سبب
3) الذي لا يحتاج إلى الوسيلة ..
4) الذي لا يبالي من أعطى ولا من يُحسَن إليه .. كان مؤمنًا أو كافرًا ، مُقرًا أو جاحدًا .. لولا كرمهُ ما سقى كافر شربة ماء .
5) الذي يُستبشر بقبول عطائه ، ويُسرُّ به .
6) الذي يُعطي ويُثني .. كما فعل بأوليائه حبَّبَ إليهم الإيمان وكرَّه إليهم الكفر والفُسوق والعصيان ، ثم قال :
{ .. أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (*)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
[الحجرات: 7,8]
،، يُحكى أنَّ الجُنيد سَمِعَ رجلاً يقرأ
{.. إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}
[ص: 44]
.. فقال : سبحـــان الله ! أعطى وأثنى .. فالله تعالى هو الذي وهب عبده أيوب عليه السلام الصبر ، ثمَّ مدحه به وأثنى .
7) الذي يَعُمُّ عطاؤه المحتاجين وغيرهم .
الذي يُعطي من يلومه ..فيعطي العبد برغم إساءته للأدب مع ربِّه سبحانه وتعالى .
9) يُعطي قبل السؤال ..
قال تعالى :
{ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ
اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}
[إبراهيم: 34]
10) يُعطي بالتعرُّض ..
11) الذي إذا قَدَرَ عفى
12) الذي إذا وَعَدَ وفَّى ..
13) الذي تُرفَع إليه كل حاجة صغيرة كانت أو كبيرة ..
14) الذي لا يُضيع من توسَّل إليه ولا يترك من التجأ إليه
.. عن سلمان رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
"إن الله حييّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين"
[رواه أبو داود وصححه الألباني]
15) الذي لا يُعاتب ..
16) الذي لا يُعاقب ..
الفرق بين الكرم والجود ..الجود : هو صفة ذاتية للجواد ، ولا يستحق
بالاستحقاق ولا بالسؤال .والكرم : مسبوق باستحقاق السائل والسؤال منه .
[كتاب الكليات (1:545)]
أما معنى اسم الله تعالى الأكرم
الأكرم : اسم دل على المُفاضلة في الكرم ، فعله : كرم يكرم كرما ، والأكرم
هو الأحسن والأنفس والأوسع ، والأعظم والأشرف ، والأعلى من غيره في كل وصف
كمال ، قال تعالى :
{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }
[الحجرات:13]
الفرق بين الكريم والأكرم
والأكرم سبحانه هو الذي لا يُوازيه كرم ، ولا يُعادله في كرمه نظير ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم ..
لكن الفرق بين الكريم والأكرم :أن الكريم ..دل على الصفة الذاتية والفعلية
معًا ، كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير
ذلك من صفات الذات ، وأيضًا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب ،
ولا يمُنُ إذا أعطى فيُكدر العطية بالمن .. وهو الذي تعددت نعمه على عباده
بحيث لا تُحصى وهذا كمال وجمال في الكرم .
أما الأكرم .. فهو المُنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي ،
فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العُلو المُطلق على خلقه في عظمة الوصف وحُسنه
، ومن ثم له جلال الشأن في كرمه ، وهو جمال الكمال وكمال الجمال .
حظ المؤمن من اسم الله تعالى الكريـــم الأكرم
1) أن يظهر على العبد أثر النعمة ..عن أبي الأحوص عن أبيه قال : أتيت رسول
الله صلى الله عليه و سلم وعليَّ ثوب دون ، فقال لي : "ألك مال؟"، قلت :
نعم . قال : "من أي المال؟"، قلت : من كل المال قد أعطاني الله من الإبل
والبقر والخيل والرقيق . قال : "فإذا آتاك الله مالاً فليُر أثر نعمة الله
عليك وكرامته"
[رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني]
2) إكرام النـــاس ..قال صلى الله عليه و سلم :
"إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"
[حسنه الألباني، صحيح الجامع (269)]
.. إذا كنت تُحب أن يُعاملك الله الكريم ، بكرمه وجوده وفضله وإنعامه ، فعليك أن تُكرم النــاس في معاملاتك وأخلاقك .
والاهتمام بإكرام الضيف والجــار على الأخص .. لأن النبي صلى الله عليه و
سلم قال :"من كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه ، جائزته يوم
وليلة ، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوي
عنده حتى يحرجه"
[متفق عليه]
.. وقال صلى الله عليه و سلم :
"ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"
[رواه أحمد وصححه الألباني]
،، فبإكرامك لضيفك وجارك ، يزدد إيمانك وترتفع درجتك عند الله سبحانه وتعالى ،،
3) أن يعلم أن الإكرام بالنعمة إبتلاء ، يستوجب الشكر والطاعة ..لا كما يظن
البعض أنها دليل حبٍ ورضــا .. يقول الله تعالى : { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ
إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي
أَكْرَمَنِ (*) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (*) كَلَّا ..}[الفجر: 15,17]
.. فالله سبحانه وتعالى يبتلينا بالخير والشر، وحق الخير شكره ، وحق الشر
الصبر عليه .وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال
: "فيلقى العبد فيقول : أي فُل (فلان) ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك
الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟ ، فيقول : بلى ، قال : أفظننت أنك ملاقيَّ
؟ فيقول : لا فيقول : فإني قد أنساك كما نسيتني"
[رواه مسلم]
،، والإكرام الحقيقي هو إكرام الله للعبد بالتوفيق للطاعة واليقين والإيمان ..
قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
[الحجرات:13]
4) كثرة فعل الخيـــرات ..لأن من معاني اسمه تعالى الكريم أنه كثيـــر
الخير ، فعلى العبد أن يبذل الخيـــر للناس .. بأن يُكثر من الصدقات عن طيب
نفس .. من نفقة على مسكين وفقير ، وسعي على أرملة ، سقي الظمآن ، وإغاثة
اللهفان ، وحتى ذكر الله سبحانه وتعالى صدقة .
5) كرم الأخلاق ..إذا أردت أن يُكرمك الله ، كن كريم الأخلاق ..
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
"إن الله كريم يُحب الكرم ، ويُحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها"
[صحيح الجامع (1801)]
،، عن أبي هريرةرضى الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "من كان هينا لينًا قريبًا حرمه الله على النار"
[رواه الحاكم وصححه الألباني]
6) التعزز عن سفاسف الأمور وعدم التذلل لأحد ..فالكريم هو الذي له خطر وقدر
، فتعالى عن سفاسف الأمور ولا تذل لمال أو جــاه أو شهوة .. فكن على طاعة
الله وابتعد عن مخالفته ، تكن كريمًا في الأرض ويَعظُم شأنك .. أما المعصية
فهي سبب ذُلَك وشؤمك ..
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
".. وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم
[صحيح الجامع (2831)]
7) التخليـــة والتصفيــة ..لأن الكريم معناه : المُنزه عن النقائص
والآفــات .. فعليك أن تسعى في تربية وتهذيب نفسك ؛ لأنك لن تكون كريمًا
عند الله وأنت مليء بالنقائص والعيــوب .
لا تجعل الله أهون الناظرين إليـــك ..
قال تعالى
{.. وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}
[الحج: 18]
9) اللوذ واللُجأ بالكريــم عن الكُربــــات ..
عن ابن عباس رضى الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول عند الكرب :
"لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم"
[متفق عليه]
،، فلُذ بربِّك الكريـــم، يُفرج كربك،،
10) إكرام القرآن ..
قال تعالى
{إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ}
[الواقعة: 77]
.. فأكرم كتاب الله الكريم قراءةً وتدبرًا وعملاً ؛ لكي تكون كريمًا عند ربِّ العالمين .
الدعاء باسمي الله تعالى الكريم الأكرم
منه : دعـــاء ليلة القدر .. عن عائشة رضى الله عنها قالت : قلت : يا رسول
الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟، قال : "قولي :
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
وورد الدعاء باسمه الأكرم .. عن ابن مسعودرضى الله عنه : أنه كان يدعو في
السعي : "اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ"
، وفي رواية : "اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ
وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ ، اللهمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"
، وقال الألباني : "وإن دعا في السعي بقوله : رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم فلا بأس لثبوته عن جمع من السلف"
[مناسك الحج والعمرة (26)]
ومما ورد في الدعاء بالوصف .. ما رواه مسلم من حديث عوف بن مالك رضى الله
عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم يُصَلِّي عَلَى
مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ :
"اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَأَكرِمْ
نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلهُ، وَاغسِلهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ
وَالْبَرَدِ ، وَنَقّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ
الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ"
[صحيح مسلم]
يتبع