لسوء الحظ أن شعوب الدول الشرقية - عن إدراك أو عدم إدراك - وقعت تحت تأثير العالم الغربي ، واستسلمت غالبيتها للسلطة العلمية والقدرة الصناعية خائفةً .
ففقد أبناؤها استقلالهم الفكري ، ونسوا شخصيتهم المعنوية ، وأخذوا ينظرون إلى القضايا المختلفة بمنظار غربي ، ويقيسون الخير والشر بالمعايير الغربية ، وينظرون باحترام إلى السلوك والتصرف الغربيَّيْن ، ويستمعون إلى أقوالهم ، ويقلدون أساليبهم ، فهم لا يفكرون إلا بعقول غربية ، ولا يبصرون إلا بأعين غربية ، ولا يسلكون إلا الطرق التي قد مَهَّدها لهم الغرب .
وقد رسخ في نفوسهم - سواء أشعروا به أم لم يشعروا - أنَّ الحق هو ما عند أهل الغرب حق ، والباطل ما يعدُّونه هُم باطلاً ، فإن المقياس الصحيح للحق والصدق والآداب والأخلاق الإنسانية والتهذيب هو الذي قد قرره الغرب لكل ذلك .
فيقيسون بهذا المقياس ما بأيديهم من العقيدة والإيمان ، ويختبرون ما عندهم من الأفكار والتصورات والمدنية والتهذيب والأخلاق والآداب ، فكل ما يطابق منها ذلك المقياس يطمئنون إلى صدقه ويفتخرون بمجيء أمر من أمورهم موافقاً للمعيار الأوروبي ، وأما ما لا يطابقه منها فيظنُّونه خطأ وباطلاً .
ثم يأتي المتعسِّف منهم فيتبرأ منه ويرفضه علناً ، ويقف المقتصد منهم باخعاً نفسه عليه ، أو يعود يعالجه جذباً ومداً حتى ينطبق على المعيار الغربي بوجه من الوجوه .
تجاهل المعايير الأخلاقية :
إن اهتمام هؤلاء معدوم ، أو بشكل أفضل ضَئيل تجاه القوانين والسنن الدينية والآداب والتقاليد الوطنية ، والعواطف والأحاسيس العائلية ، والمقاييس الأخلاقية والاجتماعية لهم ، وهم في الغالب يتجاهلونها في العمل ، بينما نجدهم بالعكس يهتمُّون بتقاليد الغربيين ، ويميلون نحو ما يقرِّبهم ويصبغهم بالصبغة الأوروبية .
الغرب والفقر الأخلاقي :
إن الغرب من حيث العلم والجامعات ومراكز البحوث والأساتذة ذوي الاختصاص غني ، ولكنه من حيث مكارم الأخلاق والفضائل الإنسانية فقير ومحتاج ، ويزداد فقره في هذا المجال يوماً بعد آخر .
ونحن نعلم أنَّ الغرب متقدم في العلوم الطبيعية ، وفروع الصناعة والتكنولوجيا ، وهو يسير نحو التكامل في الحقول العلمية المختلفة ، وعلماؤه يخطون خطوات جديدة ، ويحصلون على نجاحات باهرة في هذه الميادين ، ولكن من جانب آخر نراهم ينحدرون في الأخلاق والصفات الإنسانية نحو الفساد والضياع ، وقد أخذ مجرموه يسيرون بسرعة نحو الانحطاط .
فأرقام الجريمة وعَدَد المجرمين في أوروبا وأمريكا طبقاً للإحصائيات في ازدياد مطرد .
التوازن المعدوم بين العلم والأخلاق :
إنَّ عدم التوازن هذا في العلم والأخلاق يوضِّح هذه الحقيقة ، وهي أن الإنسان ولكي يعدل غرائزه وشهواته ، ويجتنب الشرور والخطيئة يحتاج إلى قوة الإيمان ، وبدونها لا يستطيع أن يحصل على السعادة أبداً .
كما أن تقدم العلم المادي بدون الإيمان لا يستطيع أبداً أن يكبح جماح الغرائز ويحول بين الإنسان والخطيئة ، وإنما بالعكس ، فإنَّ الغرائز المتمردة هي التي تستثمر العلم ، إذ إنها تتوسع وتصبح خطرة في ظل قوى العلم ، فتزيد من عدوانها ، إذ إنها تأتي بمصباح العلم لتسرق ما هو أثمن وأغلى .
إن مشكلة العالم الغربي لا تنحصر في الخطيئة وأعمال الجريمة ، بل إن المجتمعات الأوروبية والأمريكية مصابة بالتناقض الداخلي ، والاضطرابات النفسية المختلفة ، نتيجة التركيبة الاجتماعية الخاطئة ، والنقص الثقافي ، وسوء التربية ، وعلماء النفس والاجتماع يعتبرون هذا التناقض وعدم الانسجام نوعاً من الأمراض النفسية .
الانحطاط الأخلاقي :
إن الشعوب الغربية التي تعي بصورة أو بأخرى الجرائم والانحرافات وغيرها من المشكلات التي تعاني منها بلدانها ، وترى عن كثب تمرد شبابها تعترف بالنقائص التربوية والاجتماعية ، كما أنها تعلم أن فقدان القيم المعنوية والأخلاقية ، والاستغراق في الشهوات والرغبات والميول النفسية ، تسوق الإنسان نحو الانحطاط والتعاسة .
ولكن يظهر أنَّ المتغرِّبين لدينا ونتيجة عشقهم للغرب أُصيبوا بالعمى والصمم ، فلا يرون نقائص أولئك ، ولا يهتمُّون بمفاسدهم وانحرافاتهم ، وينمون في أفكاره الحياة الغربية ، ويريدون أن يجعلوا من أنفسهم غَربيِّين .
ولهذا السبب فإنهم يسيرون وراء الغربيين ، ويقلِّدون تصرفاتهم دون قيد أو شرط ، ويتصورون هذه التبعية العمياء تطوراً وطريقاً للسعادة .
فالتقليد المطلق لطريقة الغربيين في بعض القضايا مخالف للقوانين الدينية ، ورفض للآداب والسنن الاجتماعية ، وعدم اهتمام بالمشاعر والأحاسيس العامة ، والعواطف العائلية ، وهذا ما يؤدي إلى صراع في عقائد وآراء الشيوخ والشباب ، وظهور اختلافات ونزعات بينهم .
العلاقات الجنسية في إطار القانون :
طِبقاً للتعاليم الإسلامية فإنه يسمح للنساء والرجال أن تكون لهم علاقات جنسية وفق ضوابط وقوانين ، كما أن العلاقات هذه إذا خرجت عن الموازين القانونية تعتبر عندئذ من الخطايا وغير مشروعة .
وهذا التحديد تقرَّر بأمر حكيم من الله تبارك وتعالى ، ليؤمِّن الخير والصلاح للناس ، وليلعب دوراً مؤثراً في طهارة الجيل ، والعفة الاجتماعية وحفظ عواطف الزوجين ، وتعزيز أساس العائلة ، وبقية شؤون الحياة .
فالإنسان الشاب - وبسبب رغباته النفسية - يطالب بحرية الغرائز دون قيد أو شرط ، وطبعاً لا يرضى بتحديد الغريزة الجنسية ، لكنه لا يدرك جوانب خيره وشره ، ولا يعرف صلاحه وفساده ، ولكي يصل إلى الكمال الإنساني عليه أن يغض الطرف عن رغباته غير الشرعية ، ويطيع أمر الله تبارك وتعالى ، ويستسلم للتعاليم الدينية التي تضمن له السعادة .
ولذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قَالَ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ : يَا بْنَ آدَم أطِعْنِي فِيمَا أمَرْتُكَ وَلا تُعلِمْنِي مَا يُصْلِحُكَ ) .
العالم الغربي والجنس :
منذ زمن والغرب ينساق في الإفراط بالقضايا الجنسية ، وحطم الكثير من موازين العفة والأخلاق ، فهو لم يسمح للنساء والرجال ، شباباً وشيوخاً ، بإقامة العلاقات الجنسية بحرية فحسب ، بل إن بعض البلدان أجازت وسمحت بالانحراف الجنسي ، وأعطته صفة قانونية ، وإن هذا الأمر جاء بمفاسد مختلفة حيث يعود قسم من جرائم العالم الغربي إلى الانحلال الخلقي والحرية الجنسية .
والمتغربين في بلداننا الذين يتبعون بشكل أعمى الغربيين بحثاً عن السعادة ، يأملون بتنفيذ برنامج الغرب في العلاقات الجنسية في مجتمعنا ، وفتح الأبواب الواسعة أمام الذكور والإناث ، لإشباع رغباتهم خارج إطار القانون ، بهدف الحصول على اللذة .
وقد غفلوا عن أن تنفيذ هذا البرنامج في مجتمعنا غير ممكن ، ونظراً للاختلافات الموجودة بين مجتمعنا والمجتمعات الغربية ، فإن تلك العلاقات تخلق مفاسد تكون أكبر بكثير وأخطر من مفاسد الغرب .
مجتمعنا والمشاعر الدينية :
في محيطنا الاجتماعي تعتبر العلاقات غير القانونية بين المرأة والرجل الأجنبي وصْمَة عار على الأبوين ، وسوء سمعة للعائلة كلها ، ولا توجد عائلة - حتى تلك التي لا تتقيد بالدين - ترضى بهذا العار ، وتتحمل أن يشار إليها بالبنان في المحافل والمجالس .
وقد ينتهي الأمر بالقتل والجريمة إذا ما اضطرت مثل تلك الأُسَر إلى إبداء ردود فعل معينة لإزالة هذا العار ، ونتيجة كل ذلك تقع أضرار لا يمكن تعويضها ، حيث توجد الآن قضايا عديدة أمام المحاكم من هذا القبيل .
وأخيراً :
من مجموع البحث نستنتج أن شباب الشرق في عالم اليوم ملزمون بتعلم العلوم الطبيعية وفنون الصناعة لعلماء الغرب ، والاستفادة من تجاربهم في الفروع المختلفة ، والتقدم مع التطور العلمي العالمي وتجهيز أنفسهم للتطور الصناعي ، ولكن بشرط أن يكون التقليد واعياً وبالمقدار الصحيح في إطار العقل والمنافع ، وليس أن يجعل الشرقيون من أنفسهم عبيداً للغربيين .
فالتقليد غير المشروط للأساليب الغربية جميعها ، يعني تقبل الكثير من الرذائل الأخلاقية والصفات الاجتماعية المنحطة ، وانحدار الشباب نحو الجريمة والفساد ، وضياع القيم في مجتمعاتنا المسلمة .