الحمد لله الذي، جعل الليل لباساً والنوم سباتاً والنهار نشوراً. (قال الأستاذ أبو سعد الواعظ رضي الله عنه): أما
بعد فإنه لما كانت الرؤيا الصحيحة في الأصل منبثة عن حقائق الأعمال منبهة
على عواقب الأمور إذ منها الآمرات والزاجرات ومنها المبشرات والمنذرات وكيف
لا يكون كذلك وهي من بقايا النبوة وأجزائها بل هي أحد قسمي النبوة فإن من
الأنبياء صلوات الله عليهم من كان وحيه الرؤيا فهو نبي ومن كان وحيه على
لسان الملك وهو في اليقظة فهو رسول فقط وهذا هو الفرق بين الرسول والنبي.
وقد أخبرنا
أبو علي حامد بن عبدا لله الرفاء قال أخبرنا محمد بن المغيرة قال حدثنا
مكي بن إبراهيم قال حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إذا إقترب
الزمان تكدرت رؤيا المسلم أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً ورؤيا المؤمن جزء من
ستة وأربعين جزءً من النبوة والرؤية ثلاثة الرؤيا الصالحة بشرى من الله عز
وجل ورؤيا المسلم التي يحدث بها نفسه رؤيا تحزين من الشيطان فإذا رأى أحدكم
ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل وقال أحب القيد وأكره الغل القيد ثبات في
الدين}رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
و أخبرنا أبو
عمر ومحمد بن جعفر بن محمد بن مطر قال حدثنا حامد بن محمد بن شعيب قال
حدثنا يحي بن أيوب قال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن هشام بن عروة عن
بيه عن عائشة رضوان الله عليها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات قالوا يا رسول الله وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل لنفسه أو تري له} (وهذا لا يستثني المرأة بكل تأكيد فهي داخلة في السياق) رواه أحمد في المسند والخطيب عن عائشة رضي الله عنها والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها.
و أخبرنا أبو
عبد الله المهلبي قال حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف قال حدثنا العباس بن
الوليد بن مزيد قال أخبرنا عقبة بن علقمة المعافري قال أخبرني الأوزاعي قال
حدثنا يحي بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن قال حدثني: {( عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه ألآية { الذين أمنوا وكانوا يتقون(63) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرةۚ...(64) يونس}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد غيرك هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تري له)}أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
ننتقل الآن إلى لآداب و هي ثلاثة آداب:ـ
* آداب متعلقة بالرؤيا.
* آداب صاحب الرؤيا.
* آداب المعبر.
آداب متعلقة بالرؤيا:ـ
(قال الأستاذ أبو سعيد):يحتاج
الإنسان إلى إقامة آداب لتكون رؤياه أقرب إلى الصحة فمنها: أن يتعود الصدق
في أقواله لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً }رواه مسلم وأحمد والترمذي وأبو داود أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها أن يحافظ على استعمال الفطرة جهده { فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل أصحابه كل يوم (( هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا ))فيقصونها عليه فيعبرها لهم ثم سألهم أياماً فلم يقص عليه أحد منهم رؤيا فقال لهم: (( كيف ترون وفي أظفاركم الرفع)) الرفع وسخ الظفر والحديث أورده ابن الأثير في غريب الحديث.
ومنها أن ينام على طهر وقد روي عن ابي ذر رضي الله عنه قال: (( أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام كل شهر وركعتي الفجر وأن لا أنام إلا على طهر)) رواه البخاري والنسائي وأبو داود وأحمد والدارمي، إلا أنه قال: (( إلا على وتر)) بدلاً من ((طهر)).
ومنها أن ينام على جنبه الأيمن فإن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان يحب التيامن في كل شئ)) رواه البخاري ومسلم والأربعة عن عائشة رضي الله عنها. وروي أنه كان ينام على جنبه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ويقول ((اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك)) رواه أبو داود عن حفصة رضي الله عنها وصححه الألباني. وروي عن عائشة رضي الله عنها كانت إذا أخذت مضجعها قالت ((اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة غير كاذبة نافعة غير ضارة حافظة غير ناسية)). و في بعض الأخبار أن من سنة النائم أن يقول إذا أوى إلى فراشه ((اللهم إني أعوذ بك من الاحتلام وسوء الأحلام وأن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة والمنام)).
ثم
الرؤيا على ضربين حق وباطل فأما الحق فما يراه الإنسان مع اعتدال طبائعه
واستقامة الهواء وذلك من حين تهتز الأشجار إلى أن يسقط ورقها وأن لا ينام
على فكرة وتمنى شئ مما رآه في منامه ولا يخل بصحة الرؤيا جنابة ولا حيض.
وأما الباطل منها فما تقدمه حديث نفس وهمة وتمن ولا تفسير لها وكذلك
الاحتلام والموجب للغسل جار مجراه في أنه ليس له تأويل وكذلك رؤيا التخويف
والتحزين من الشيطان قال الله تعالى: { إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارّهم شيئاً إلا بإذن الله} (10) المجادلة. ثم إن من السنة خمس خصال يعملها الذي يرى في منامه ما يكره:
* يتحول عن جنبه الذي نام عليه إلى الجنب الآخر.
* يتفل عن يساره ثلاثة.
* يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
* يقوم فيصلي.
* لا يحدث أحداً برؤياه.
وقد روي أن رجلاً آتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنني أرى في المنام رؤيا تحزنني فقال عليه السلام: (( وأنا أيضاً أرى في المنام ما يحزنني فإذا رأيت ذلك فأتفل عن يسارك ثلاثاً وقل اللهم إني أسألك خير هذه الرؤيا وأعوذ بك من شرها)). رواه ابن ماجه عن أبي هريرة. وروى نحوه البخاري والترمذي وأحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه.
ومن
ذلك أضغاث أحلام وهي أن يرى الإنسان كأن السماء صارت سقفاً ويخاف أن يقع
عليه وأن الأرض رحاً تدور و نبت من السماء أشجار وطلع من الأرض نجوم أو
تحول الشيطان ملكاً والفيل نملة وما أشبه ذلك ولا تأويل لها ومن ذلك رؤيا
يراها الإنسان عند تشويش طبائعه كالدموي يرى الحمرة و المرطوب يرى الرطبة
والصفراوي يرى الصفرة والسوداوي يرى الظلمات والسواد والمحرور يرى الشمس
والنار والحمام والمبرود يرى البرودات والممتلئ يرى الأشياء الثقيلة على
نفسه فهذا النوع من الرؤيا لا تأويل له أيضاً.
ثم إن أصدق الرؤيا ما كانت في نوم النهار أو نوم آخر الليل فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ((قال أصدق الرؤيا ما كان بالأسحار)) عزاه السيوطي والترمذي لأحمد وبن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب وضعفه الألباني وأورده الذهبي في الميزان. وروى أنه قال: (( أصدق الرؤيا رؤيا النهار لأن الله تعالى أوحى إلي نهاراً)) رواه
الحاكم في تاريخه والديلمي عن جابر رضي الله عنه. أو حكى عن جعفر بن محمد
الصادق عليهما السلام أنه قال أصدق الرؤيا رؤيا القيلولة.
آداب صاحب الرؤيا:ـ
(قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه): ولصاحب الرؤيا آداب يحتاج إلى أن يتمسك بها وحدود ينبغي أن لا يتعداها وكذلك للمعبر فأما آداب صاحب الرؤيا:
1) أن لا يقصها على حاسد. وذلك أن يعقوب عليه السلام قال ليوسف: { لا تقصص رُءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً (5)} يوسف.
2) ولا يقصها على جاهل، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا تقصص رؤياك إلا على حبيب أو لبيب))وردت بلفظ لبيب عند أحمد عن أبي رزين، وروى مسلم (( الرؤيا الصالحة من الله عز وجل ولا يخبر بها إلا من يحب)).
3) وأن لا يكذب في رؤياه فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من كذب في الرؤيا كلف يوم القيامة عقد شعيرتين)) رواه بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه وروى أحمد والحاكم: (( من تحلم كاذباً كلف يوم القيامة عقد شعيرة)).
4) ولا يقصها إلا سراً. كما رأى سراً ولا يقصها على صبي ولا امرأة والأولى أن يقص رؤياه في إقبال السنة وفي إقبال النهار دون إدبارهما.
آداب المعبر:ـ
1- أن يقول إذا قص عليه أخوه رؤياه خيراً رأيت فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قصت عليه رؤيا يقول: (( خيراً تلقاه وشراً توقاه وخيراً لنا وشراً لأعدائنا الحمد لله رب العالمين أقصص رؤياك)) رواه الطبراني في الكبير عن الضحاك.
2- أن يعبرها على أحسن الوجوه فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الرؤيا تقع على ما عبرت)) (رواه أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها، ورواه الحاكم عن أنس رضي الله عنه). وروى أنه قال: (( الرؤيا على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت)) (رواه أبو داود وبن ماجه عن أبي رزين).
3- أن يحسن الاستماع إلى الرؤيا ثم يفهم السائل الجواب.
4- أن يتأنى في التعبير و لا يستعجل به.
5- أن يكتم عليه رؤياه فلا يفشيها فإنه أمانة ويتوقف في التعبير عند طلوع الشمس وعند الزوال والغروب.
6- أن
يميز بين أصحاب الرؤيا فلا يفسر رؤيا السلطان حسب رؤيا الرعية فإن الرؤيا
تختلف باختلاف أحوال صاحبها والعبد إذا رأى في منامه ما لم يكن له أهلاً
فهو لمالكه لأنه ماله، وكذلك المرأة إذا رأت ما لم تكن له أهلاً فهو لزوجها
لأنها خلقت من ضلعه وتأويل رؤيا الطفل لأبويه.
7- أن
يتفكر في رؤيا تقص عليه فإن كانت خيراً عبرها وبشر صاحبها قبل تعبيرها وإن
كانت شراً أمسك عن تعبيرها أو عبرها على أحسن محتملاتها فإن كان بعضها
خيراً وبعضها شراً عارض بينهما ثم أخذ بأرجحهما وأقواهما في الأصول فإن
أشكل عليه سأل القاص عن اسمه فعبرها على اسمه لما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (( إذا أشكل عليكم الرؤيا فخذوا بالأسماء)) وبيانه أن اسم
سهل سهولة وسالم سلامة وأحمد ومحمد محمده ونصر نصرة وسعاد سعادة، وأيضا
يعتبر في ذلك ما يستقبله في ذلك الوقت فإن استقبلته عجوز فهي دنيا مدبرة
وإن استقبله برذون أو بغل أو حمار في سفر لقوله تعالى: { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة(1)} النحل،
وإن سمع في ذلك الوقت نعيق الغراب واحدة أو ثلاثة أو أربعاً أو ستاً فهو
خير فأما الأربع فيسقط منها واحدة فيبقى ثلاثة والست خير لا يسمعها إلا
الأكابر وإن سمع ثنتين فلا يسحب.
(وحكى)
عن ابن عباس أنه قال إذا نعق الغراب ثلاثاً فهو خير وبالفارسية (نيك)،
وإذا نعق الغراب اثنين فهو شر وبالفارسية (بد) ويكره أن يقص الرؤيا يوم
الثلاثاء لأنه يوم إهراق الدماء ويوم الأربعاء لأنه يوم نحس مستمر ولا
يكره سائر الأيام.
وأعلم
أخي وأعلمي أختي إن بعض الرؤى تتحدث عن خصوصياتكم الخاصة جداً لدى فإنه لا
يجوز أن يكتب المرء رؤياه ليطلع عليها كل من هب ودب ويتأول فيها الذي هو
ليس أهلاً للتأويل وإليكم هذا المثل لما تحمله بعض الرؤى من خصوصيات خاصة
جداً ((حكى أن بعضهم رأى كأنه يأكل على مائدة فكلما مد يده إليها خرجت يد
كلب أشقر من تحت المائدة فأكل معه فقص رؤياه على معبر فقال إن صدقت رؤياك
فإن غلاماً من الصقالبة يشاركك في امرأتك ففتش عن الأمر فوجده كما قال)).
كما
أن الرؤيا تعبر على أكثر من وجه بخلاف حال الرأي كما أسلفت وإليكم هذا
المثل (( يحكى أن رجلاً أتى محمد بن سيرين فقال رأيت كأني أؤذن فقال تحج
وأتاه آخر فقال رأيت كأني أؤذن فقال تقطع يدك قيل له كيف فرقت بينهما قال
رأيت في الأول سيماً حسنة فأولت { وأذن في الناس بالحج}(27) الحج ورأيت في
الثاني سيماً غير صالحة فأولت {ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون}(70)
يوسف)).
وبهذا القدر أرجوا أن أكون قد وفقت في توضيح شئ من مسألة تفسير الأحلام وآدابها، لأني لما وجدت أن أخي القائد العام
قد قرر فتح هذا القسم الخطير دون أن يضع عليه من هو أهلاً للتفسير وترك
الباب مشرعاً لكل التأويلات دون رقيب أي حتى المفسرون بالتنجيم والتكهن قد
يجدوا مرتعاً خصباً لهم في هذا القسم، خاصةً وأنه حتى الأخ المشرف بلابين
يبدوا أنه مستاءً من هذا القسم في تعليق له بإحدى المواضيع، فوجدت أنه من
واجبي أن أبين للناس مما علمني الله في هذا المجال لكي لا أكون ممن يكتمون
العلم، وأنا لست أقدم نفسي كعارفٍ أو عالماً بتفسير الأحلام لا والله فأنا
مجرد تلميذ يتعلم، ولكن الأمر خطير فإن قص الرؤيا على من هو ليس أهلاً
للتعبير ثم تجرأ الأخير على التعبير بدون علم قد يتسبب في كارثة.
والله أعلم.
مرجعي كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين (وهو أبوبكر محمد بن سيرين البصري التابعي الكبير، والإمام القدير في التفسير، والحديث، الفقه، وتعبير الرؤيا، والمقدم في الزهدوالورع وبر الوالدين، توفي 110 للهجرة بعد الحسن البصريبمائة
يوم، وكان عمره نيفاً وثمانين سنة وهو من أشهر الأئمة المفسرين بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم) طبعة 1999 خرج أحاديثها وشرح غريبها مركز تحقيق
التراث: دار العقيدة.