مصطفي الزهيري جروبى جامد
عدد الرسائل : 439 العمر : 33 العمل/الترفيه : عاطل الهوايات : كمبيوتر وشطرنج اعلام : المزاج : الهوية : تاريخ التسجيل : 21/02/2009 عدد المواضيع : 989 السٌّمعَة : 0
| موضوع: ذكاء الأمراء والولاة 9th مايو 2009, 1:21 pm | |
| نتناول اليوم ذكاء الأمراء والولاة
ذكر محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه أنه بلغ الى عضد الدولة خبر قوم من الأكراد يقطعون الطريق, ويقيمون في جبال شاقة, فلا يقدر عليهم, فاستدعى أحد التجار ودفع اليه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى قد شيبت بالسم, وأكثر طيبها, وأعطاه دنانير, وأمره أن يسير مع القافلة, ويظهر أن هذه هدية لاحدى نساء أمراء الأطراف.
ففعل التاجر ذلك وسار أمام القافلة, فنزل القوم وأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد به مع جماعتهم الى الجبل, وبقي المسافرون عراة, فلما فتح الصندوق وجد الحلوى يضوع طيبها, ويدهش منظرها ويعجب ريحها, وعلم أنه لا يمكنه الاستبداد بها, فدعا أصحابه, فرأوا ما لم يروه أبدا قبل ذلك, فأمعنوا في الأكل عقيب مجاعة, فانقلبوا فهلكوا عن آخرهم, فبادر التجار الى أخذ أموالهم وأمتعتهم ويلاحهم, واستردوا المأخوذ عن آخره.
فلم أسمع بأعجب من هذه المكيدة, محت أثر العاتين وحصدت شوكة المفسدين.
قدم بعض التجار من خراسان ليحج, فتأهب للحج وبقي معه ألف دينار لا يحتاج اليها, فقال: ان حملتها خاطرت بها, وان أودعتها خفت جحد المودع. فمضى الى الصحراء, فرأى شجرة خروع, فحفر تحتها ودفنها ولم يره أحد, ثم خرج الى الحج وعاد, فحفر المكان فلم يجد شيئا, فجعل يبكي ويلطم وجهه, فاذا سئل عن حاله قال: الأرض سرقت مالي.
فلما كثر ذلك منه قيل له: لو قصدت عضد الدولة فان له فطنة.
فقال: أويعلم الغيب؟ فقيل له: لا بأس بقصده.
فأخبره بقصّته, فجمع الأطباء وقال لهم: هل داويتم في هذه السنة أحد بعروق الخروع؟
فقال أحدهم: أنا داويت فلانا وهو من خواصّك.
فقال: عليّ به.
فجاء فقال له: هل تداويت هذه السنة بعروق الخروع؟
قال: نعم.
قال: من جاءك به؟
قال: فلان الفرّاش.
قال: عليّ به.
فلما جاء قال: من أين أخذت عروق الخروع؟
فقال: من المكان الفلاني.
فقال: اذهب بهذا معك فأره المكان الذي أخذت منه.
فذهب معه بصاحب المال الى تلك الشجرة, وقال: من هذه الشجرة أخذت.
فقال الرجل: هاهنا والله تركت مالي, فرجع الى عضد الدولة فأخبره, فقال للفرّاش: هلمّ بالمال, فتلكأ, فأوعده وهدّده فأحضر المال.
حكى السلامي الشاعر قال: دخلت على عضد الدولة, فمدحته فأجزل عطيّتي من الثياب والدنانير وبين يديه حسام خرواني فرآني ألحظه, فرمى به اليّ وقال: خذه.
فقلت: وكل خير عندنا من عنده.
فقال عضد الدولة: ذاك أبوك!
فبقيت متحيّرا لا أدري ما أراد, فجئت أستاذي فشرحت له الحال, فقال:
ويحك! قد أخطأت عظيمة, لأن هذه الكلمة لأبي نوّاس يصف كلبا حيث يقول:
أنعت كليا أهله في كدّه ،،، قد سعدت جدودهم بجدّه ،،،،، وكل خير عندنا من عنده
قال: فعدت متوشحا بكساء فوقفت بين يدي عضد الدولة فقال: ما بك؟
فقلت: حممت الساعة.
فقال: هل تعرف سبب حمّاك؟
قلت: نظرت في ديوان أبي نوّاس.
فقال: لا تخف, لا بأس عليك من هذه الحمّى.
فشكرته وانصرفت.
وروى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي في تاريخه قال: حدّثني بعض التجار, قال: كنت في المعسكر, واتفق أن ركب السلطان جلال الدولة يوما الى الصيد على عادته, فلقيه سوادي يبكي, فقال: ما لك؟
فقال: لقيني ثلاثة غلمان أخذوا حمل بطيّخ معي وهو بضاعتي.
فقال: امض الى المعسكر فهناك قبّة حمراء, فاقعد عندها ولا تبرح الى آخر النهار, فأنا أرجع وأعطيك ما يغنيك.
فلما عاد السلطان, قال لبعض شرّائه: قد اشتهيت بطيّخا ففتش العسكر وخيمهم على شيء منه.
ففعل وأحضر البطيّخ, فقال: عند من رأيتموه؟
فقيل: في خيمة فلان الحاجب.
فقال: أحضروه. فقال له: من أين هذا البطيخ؟
فقال: الغلمان جاؤوا به.
فقال: أريدهم الساعة.
فمضى وقد أحسّ بالشر, فهرب الغلمان خوفا من أن يقتلوا, وعاد فقال: قد هربوا لما علموا بطلب السلطان لهم.
فقال: أحضروا السوادي.
قال: نعم.
قال: فخذه وامض مصاحبا السلامة.
نزل أمير بقرية, فاحتاج الى المزيّن يمسح شعره, فجاء الأمير وحده اليه, وقال:
أنا حاجب هذا الأمير الذي قد نزل بكم, فامسح شعري, فان كنت حاذقا جاء الأمير فمسحت شعره.
وانما فعل ذلك لئلا يعلم أنه الأمير فينزعج ويجرحه.
روي أن معن بن زائدة دخل على أبي جعفر أمير المؤمنين, فقارب في خطوه, فقال له أبو جعفر: كبرت سنّك يا معن.
فقال: في طاعتك يا أمير المؤمنين.
قال: وانك لجلد.
قال: على أعدائك.
قال: وان فيك لبقيّة.
قال: هي لك.
قال المأمون لعبد الله بن طاهر: أيهما أطيب مجلسي أو منزلك؟
قال: ما عدلت به يا أمير المؤمنين.
قال: ليس لي الى هذا, انما ذهبت الى الموافقة في العيش واللذة.
قال: منزلي يا أمير المؤمنين.
قال: ولم ذلك؟
قال: لأني فيه مالك وأنا ههنا مملوك.
ورأى ابن طولون يوما حمّالا يحمل صندوقا وهو يضطرب تحته, فقال: لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنقه وأنا أرى عنقه بارزة, وما هذا الا من خوف ما يحمل.
فأمر بحطّ الصندوق, فوجد فيه جارية قد قتلت وقطّعت, فقال: اصدقني عن حالها.
فقال: أربعة نفر في الدار الفلانيّة أعطوني هذه الدنانير وأمروني بحمل هذه المقتولة.
فضرب الحمّال مئتي ضربة بعصا, وأمر بقتل الأربعة.
وكان ابن طولون يبكر ويخرج, فسمع قراءة الأئمة في المحاريب, فدعا بعض أصحابه يوما وقال: امض الى المسجد الفلاني, وأعط امامه هذه الدنانير.
قال: فمضيت فجلست مع الامام وباسطته حتى شكا أن زوجته ضربها الطلق, ولم يكن معه ما يصلح به شأنها, وأنه صلى فغلط مرارا في القراءة, فعدت الى ابن طولون فأخبرته.
فقال: لقد صدق, لقد وقفت أمس,, فرأيته يغلط كثيرا فعلمت أن شيئا شغل قلبه.
وبلغنا عن بعض ولاة مصر أنه كان يلعب بالحمام فتسابق هو وخادم له فسبقه الخادم, فبعث الأمير الى وزيره ليعلم الحال, فكره الوزير أن يكتب اليه أنك قد سبقت, ولم يدر كيف يكني عن ذلك, فكان ثمّ كاتب فقال: ان رأيت أن تكتب شعرا:
يا أيها الملك الذي جدّهلكل جد قاهر غالـب طائرك السابق لكنّـهأتى وفي خدمته حاجب
فاستحسن ذلك وأمر له بجائزة. وجيء الى ابن النسوي برجلين قد اتهما بالسرقة فأقامهما بين يديه, ثم قال: شربة ماء, فجاء بها فأخذ يشرب ثم ألقاها من يده عمدا فوقعت فانكسرت, فانزعج أحد الرجلين لانكسارها وثبت الآخر, فقال للمنزعج: اذهب أنت, وقال للآخر: ردّ ما أخذت.
فقيل له: من أين علمت؟
فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج, وهذا المنزعج بريء, لأنه لو تحرّكت في البيت فأرة لأزعجته ومنعته من أن يسرق. كان بعض العمّال واقفا على رأس أمير, فأخذه البول. فخرج,
فلما جاء قال: أين كنت؟ قال: أصوب الرأي. يعني أنه لا رأي لحاقن. حدّثني بعض الشيوخ قال: سرق من رجل خمسمئة دينار, فحمل المتهمون الى الوالي.
فقال الوالي: أنا ما أضرب أحدا منكم. بل عندي خيط ممدود في بيت مظلم, فادخلوا فليمرّ كل منكم يده عليه من اوّل الخيط الى آخره ويلف يده في كمّه ويخرج, فان الخيط يلف على يد الذي سرق.
وكان قد سوّد الخيط بسخام, فدخلوا, فكلهم جرّ يده على الخيط في الظلمة الا واحدا
منهم , فلما خرجوا نظر الى أيديهم مسودة الا واحدا فألزمه بالمال , فأقر به .كتاب الأذكياء
لأبن الجوزي | |
|